أحمد الحامد⁩
اليوتيوب والمشاهدات !
2025-11-03
أعتقد أنني أعاني من شفافية مرضيَّة، وإصرار متعب على أن يكون المحتوى نصًا وتصويرًا في جودة فائقة، وهذا ما منعني طوال سنوات من تقديم برنامج على اليوتيوب. سبق وصورت لكنني لم أنشر الفيديوهات، في كل مرة كنت أضيف وأغير شيئًا على المحتوى، أعيد التصوير، لكني ألغي كل شيء، لأنني أعتقد أن بالإمكان أفضل مما كان.
صورت حلقات عن تاريخ الصناعات، وكيف بدأت، ركزت على تلك التي بدأت صدفة، أو تلك التي بدأت فكرة ثم تحولت إلى مشروع مختلف.
سجلت حلقة عن عباقرة مغمورين، وحلقة عن بناء هندسي لرجل فرنسي لم يدرس الهندسة. كل تلك الحلقات بقيت حبيسة على الكمبيوتر.
قال لي أحد الأصدقاء إن في كل بداية جيدة نواقص، لكنها تكتمل مع الوقت، لا يمكن أن يكون ما تقدمه متكاملًا منذ الحلقة الأولى. أجبته: وما المانع أن تكون الحلقة الأولى في أفضل حال؟ بالأمس ظهرت أمامي بعض البرامج اليوتيوبية، تلك التي تحمل عناوين: تعرف على ما دار في الاجتماع المغلق بين ترامب وبوتين، على أساس أن مقدم البرنامج كان معهم، شاهدت رقم المشاهدات التي تجاوزت الـ 200 ألف في أقل من 24 ساعة، وعلامات الإعجاب، تساءلت: ألهذا الجمهور كنت أحسب ألف حساب للفكرة وجودة النص والتصوير والإخراج ؟ ألهذا الجمهور الذي يصدق ويتابع هذه البرامج كنت تمتنع من تقديم حلقاتك ؟
الجمهور العربي بصورة عامة ولا أقصد الجميع يسهل خداعه، يحب مشاهدة البرامج التي تتوافق مع رغباته الدفينة، يحب أن يشاهد حلقات تحمل عناوين مثل: نهاية إسرائيل خلال عامين ! أمريكا تستسلم لروسيا ! لماذا لا يريد الغرب أن ننجح ؟ ! هناك محلل سياسي عربي معروف بتحليلاته الغارقة بالأوهام والبعد عن الواقع، لكنه يحصد في كل حلقة يومية مشاهدات تصل إلى 250 ألفًا ! لا أذكر له تحليلًا واحدًا صائبًا، يصرخ منفعلًا أمام الشاشة، ويبدو أن علامات الإعجاب تزداد من ازدياد صراخه.
هناك محلل آخر تصل مشاهداته خلال يومين للمليون، كلامه هبد في هبد على قول إخواننا المصريين، لكنه يحصل على آلاف التعليقات الإيجابية، وعشرات الآلاف من علامات الإعجاب. صارت عندي قناعة أن بعض مقدمي البرامج على اليوتيوب يعرفون أن نسبة كبيرة من الجمهور تعشق الخطاب الشعبوي، حتى وإن كان غارقًا في الوهم، ولا علاقة له بالواقع والحقيقة.
هم يخاطبون الجانب الذي يريح نسبة كبيرة من الجمهور، وإن كان الخطاب يخدعهم ويزيد أوهامهم.