بولونيا.. 100 عام على «سكوديتو المسدسات»
كتب فريق بولونيا الأول لكرة القدم، في 14 مايو الماضي، قصة درامية عادت به إلى واجهة الأبطال، إذ تُوّج بكأس إيطاليا للمرة الأولى بعد مرور 51 عامًا على لقبه الأخير، عام 1974، الأمر الذي منحه بطاقة الحضور إلى الرياض، للمشاركة في كأس السوبر الإيطالي.
في خبايا هذا النادي قصة عنوانها الجدل، وتعود إلى العام 1925، عندما حقق لقبه الأول بطلًا لإيطاليا، فيما بات يُعرف بـ «سكوديتو المسدسات».
وكان هذا النادي قد تأسس عام 1909، بمجهود من إيميليو أرنشتاين، الذي انتقل من مدينة فوفيتز قرب براغ، عاصمة التشيك حاليًا، إلى بولونيا، ليجد في غابة براتا دي كابرارا شبانًا يلعبون كرة القدم، بينهم محليون وسويسريون، إضافة إلى الإسباني أنطونيو برنابيو، شقيق سانتياجو برنابيو، أحد أساطير ريال مدريد، إلى أن بصر النادي النور بعد أشهر من العمل الدؤوب، في 3 أكتوبر.
وحتى يومنا هذا، يُعدّ بولونيا النادي الوحيد المتوّج بلقب بطل إيطاليا من إقليم إيميليا رومانيا الشمالي، إذ يُعرف هذا الإقليم بإرثه في رياضات المحركات، كونه مسقط رأسه فيراري في عالم «فورمولا 1»، ودوكاتي في عالم «موتو جي بي»، لكن بولونيا وضع هذا الإقليم على الخارطة الكروية عام 1925، بصعوده إلى منصة الدوري، ولو بعد رحلة طويلة وشائكة أثارت الكثير من الجدل.
وحملت رحلة بولونيا نحو التتويج بلقبه الأول بطلًا لإيطاليا اسمًا صحافيًا هو «سكوديتو المسدسات»، نظرًا للأحداث التي حملتها سلسلة من المواجهات أمام نادي جنوى في نهائي دوري المنطقة الشمالية، إذ بدأت العداوة بين الفريقيْن في الموسم السابق عقب مشادات وخلاقات وأعمال شغب جماهيرية، ووصلت إلى أوجها في موسم 1924ـ1925.
وفاز جنوى بنتيجة 2ـ1 في بولونيا، في ذهاب المباراة النهائية للمنطقة الشمالية، قبل أن يفوز بولونيا في جنوى بالنتيجة نفسها إيابًا، في لقاء حمل أول مظاهر الشغب الجماهيري في هذه المعركة الكروية، إذ غادر الحكم أرضية الملعب تحت حماية عناصر الشرطة، وامتد الصراع نحو مباراة ثالثة فاصلة على أرض محايدة، ووقع الاختيار على مدينة ميلانو لاستضافة هذه المواجهة الحاسمة.
وفي المباراة الثالثة والفاصلة، وأمام ملعب ممتلئ ومكتظ، اعتبر الحكم جيوفاني ماورو أن الظروف لم تكن ملائمة لإطلاق صافرته، وطالب بحضور 200 من عناصر الشرطة في الملعب، لكن القيمين طالبوه ببدء المباراة، وشوطها الأول شهد تقدم جنوى 2ـ0، وفرحة جماهير الأخير دفعتهم للاحتفال باقتحام أرضية الملعب أكثر من مرة.
وفي الشوط الثاني، سجل بولونيا هدف تقليص الفارق بعد مرور ربع ساعة، لكن ماورو ألغى الهدف، معتبرًا أن الكرة خرجت من الملعب خلال الهجمة التي أسفرت عن الهدف، ما أثار عملية اعتراضات واسعة، فاستعان بمساعده الذي لم يرَ الحالة نتيجة الاكتظاظ الجماهيري، كما أن أغلب الصحافيين لم يلتقطوا الحالة للسبب نفسه، فازداد الهرج والمرج، وطالب ماورو بإلغاء المباراة.
وعاد الحكم لاستئناف المباراة الثالثة، بعد توقف دام أكثر من 15 دقيقة، بعد طلبٍ من أحد المسؤولين في الاتحاد الإيطالي، كما جاء القرار باحتساب هدف بولونيا الملغى، والدقائق التالية شهدت إدراك بولونيا للتعادل، فانطلقت جولة جديدة من أعمال الشغب، إلى أن أطلق ماورو صافرة نهاية الوقت الأصلي بعد 112 دقيقة من اللعب، لكن نادي جنوى رفض خوض الشوطيْن الإضافييْن، اعتراضًا على قرارات الحكم، فيما انتقلت المشادات بين جماهير الفريقيْن إلى محطة قطار في ميلانو بعد المباراة.
وبقيت المباراة الثالثة تحت التحقيق لمدة أسبوعيْن، إذ طالب جنوى باعتباره فائزًا لأن هدف بولونيا الأول لم يكن صحيحًا، فيما طالب بولونيا باعتبار نفسه الطرف الفائز لأن جنوى رفض الذهاب إلى الأشواط الإضافية، لكن قرار الاتحاد الإيطالي كان تثبيت نتيجة المباراة، وتنظيم مباراة رابعة فاصلة، كان مسرحها مدينة تورينو هذه المرة.
وانتهت المباراة الرابعة على نتيجة التعادل 1ـ1، بعد التمديد، في 5 يوليو، دون وقوع أحداث على أرض الملعب، لكن مسمّى «سكوديتو المسدسات» ظهر في ذلك اليوم، بعد مشادات على نحو أوسع بين مشجعي الفريقيْن في محطة القطار، أدّت لإطلاق 20 طلقة نارية من مسدسات مشجعين لبولونيا، ما أوقع إصابتيْن في صفوف مشجعي جنوى.
وصدر قرار بإقامة مباراة خامسة خلف أبواب مغلقة، لكن محافظ تورينو رفض استضافة المباراة، فيما طالب الاتحاد الإيطالي نادي بولونيا بتسليم مطلقي النار قبل 31 يوليو، وإلا يُعتبر الفريق خاسرًا، لكن تاريخ 20 يوليو شهد مظاهرة في بياتزا ديل نيتونو في بولونيا، تطرّق المتظاهرون فيها إلى مؤامرة لتفضيل جنوى، وسط اعتراضات على أعضاء الاتحاد الذي لم يضم أي عضو من إقليم إيميليا رومانيا في ذلك الوقت.
وتدخل أحد أعضاء مجلس إدارة نادي يوفنتوس، وهو أومبرتو مالفانو، لحل النزاع، فجمع مسؤولي الفريقيْن، وصدر قرار أيّده الاتحاد الإيطالي بحل القضية على أرض الملعب، وتنظيم مباراة خامسة، وتأجيل البت بالأمور الجانبية، علمًا أن التحقيقات لم تتعرّف أبدًا على هوية مطلقي النار من مشجعي بولونيا.
ولُعبت المباراة الخامسة على نحو سري، إذ لم يُعلن عن موعدها ومسرحها، ونجح بولونيا بفض الاشتباك في 9 أغسطس في ميلانو، وفاز بهدفيْن دون رد، ولو أنّه أكمل المباراة بـ 9 لاعبين بعد طرد اثنيْن من لاعبيه، فحسم المعركة بعد 5 مباريات في 11 أسبوعًا.
وبعد فوزه على جنوى في نهائي دوري المنطقة الشمالية، لعب بولونيا أمام ألبا روما، بطل المنطقة الجنوبية، في نهائي الدوري، وحسم هذه المواجهة دون عناء، إذ فاز 4ـ0 في المباراة الأولى، وبهدفيْن نظيفيْن إيابًا، ليحقق لقبه الأول بطلًا لإيطاليا.
وبالمجمل، يحمل حائط إنجازات نادي بولونيا 7 بطولات في الدوري الإيطالي، آخرها عام 1964، و3 ألقاب في كأس إيطاليا، بما فيها لقبه الأخير في الموسم الماضي، وهو سيحاول إحداث مفاجأة في الرياض، عندما يخوض غمار كأس السوبر الإيطالي للمرة الأولى، بدءًا من مواجهته لإنتر ميلان في نصف النهائي، مساء الجمعة.